الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فنسأل الله تعالى لنا ولكم الفقه في الدين ، وأن يوفقنا سبحانه لفهم كتابه والعمل به ، وأن يحفظنا من كل بدعة أو بلاء ؛ اما بعد ...
هناك أناس عندما يسمعون شيئاً يكرهونه مثل الحوادث على سبيل المثال يقولون الآية القرآنية: { سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } يس58 ، فهل هذا جائز ووارد بالسُنة وما معنى هذه الآية ؟
اعلم أخي المسلم بأن الآية الكريمة من سورة يس: { سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } تدل على أن الله تعالى يُسلم على أهل الجنة ، وهي كالآية التي في (سورة الأحزاب:44) { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً }
قال ابن عاشور وغيره من المفسرين في تفسيرهم للآية الكريمة: " فيه دلالة
على الكرامة والعناية بأهل الجنة من جانب القدس ، إذ يوجه إليهم سلام الله
بكلام يعرفون أنه قول من الل ه: إمّا بواسطة الملائكة ، وإما بخلق أصوات
يُوقنون بأنها مجعولة لأجل إسماعهم ، كما سمع موسى كلام الله حين ناداه
من جانب الطور من الشجرة ، فبعد أن أخبر بما حباهم به من النعيم مشيراً
إلى أصول أصنافه ، أخبر بأن لهم ما هو أسمى وأعلى ، وهو التكريم بالتسليم عليهم ، قال تعالى: { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ }
التوبة72 ، وتنكير لفظ (سلام) للتعظيم، ورفعه للدلالة على الدوام والتحقق
، ....واختير في التعبير عن الذات العلية بوصف الرب ، لشدة مناسبته
للإِكرام والرضى عنهم بذكر أنهم عبدوه
في الدنيا فاعترفوا بربوبيته"اهـ. وقد
جاء في الحديث فِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد وَسُنَن اِبْن مَاجَهْ مِنْ
حَدِيث مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رضي الله
عنهما قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا
أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليه نور، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد
أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله تعالى: { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } قال : فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم". اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
وفى تفسير ابن كثر
عن قوله تعالى " سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم " قال ابن جريج : قال ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى : " سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم " فإن الله نفسه سلام على أهل الجنة .
وهذا الذي قال ابن عباس رضى الله عنهما كقوله تعالى : " تَحِيَّتهمْ يَوْم يَلْقَوْنَهُ سَلَام "[ الأحزاب : 44 ]
وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثا ً، وفي إسناده نظر ، فإنه قال : حدثنا موسى بن يوسف ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا أبو عاصم العباداني ، حدثنا الفضل الرقاشي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أهل الجنة في نعيمهم ، إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم ، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة . فذلك قوله : تعالى " سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم " ، قال : " فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم " . [ ص: 584 ]
ورواه ابن ماجه في " كتاب السنة " من سننه ، عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، به .
وقال ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، حدثنا حرملة ، عن سليمان بن حميد قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار ، أقبل في ظلل من الغمام والملائكة ، قال : فيسلم على أهل الجنة ، فيردون عليه السلام - قال القرظي : وهذا فيكتاب الله تعالى " سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم " - فيقول : سلوني . فيقولون : ماذا نسألك أي رب ؟ قال : بلى سلوني . قالوا : نسألك - أي رب - رضاك . قال : رضائي أحلكم دار كرامتي . قالوا : يا رب ، فما الذي نسألك ، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك ، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم ، لا ينقصنا ذلك شيئا . قال تعالى : إن لدي مزيدا ً. قال فيفعل ذلك بهم في درجهم ، حتى يستوي في مجلسه . قال : ثم تأتيهم التحف من الله ، عز وجل ، تحملها إليهم الملائكة . ثم ذكر نحوه . وهذا خبر غريب أورده ابن جرير من طرق والله أعلم
والخلاصة
{سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} تدل على أن الله تعالى يُسلم على أهل الجنة ، وفيه دلالة على الكرامة والعناية بأهل الجنة من جانب القدس ، إذ يوجه إليهم سلام الله بكلام يعرفون أنه قول من الله تعالى ، أما مسألة قراءة الآية وترديدها عند حلول المصائب ،لا نعلم حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقال عند حدوث كارثة أو مصيبة ، ولكن لو قيلت على سبيل التفاؤل بأن يسلم الله تعالى عباده مما يسوؤهم فحسن ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فالقارئ لهذه الآية يطلب من الله تعالى مدلولها ، ويرجو من الله بركتها ونوالها ، فالسلام والسلامة والعفو واللطف من معانيها فلا مانع منه شرعاً ، وقراءة الآيات تبركاً وتفاؤلاً والتماسًا للخير والبركة جائز شرعاً لعموم إطلاق الجواز شرعاً، والله تعالى أعلم